من بين ما يتميز به برنامج حفل افتتاح الدورة 17 لمهرجان أنديفيلم، مساء الخميس 5 دجنبر الجاري ابتداء من الخامسة والنصف بالمركب السينمائي ميغاراما بالرباط، التكريم المخصص لشخصية وطنية أعطت الشيء الكثير في مجال العمل الجمعوي السينمائي والثقافي على امتداد أكثر من نصف قرن من الزمان. يتعلق الأمر بالرئيس الحالي للجمعية المغربية لنقاد السينما الصديق خليل الدمون. وقد كلفتني الجمعية المنظمة لهذا المهرجان الفريد من نوعه بالمغرب بإلقاء شهادة مركزة في حقه، وهي مناسبة أغتنمها لتعميم ورقة تعرف بمساره الطويل وما تخلله من إنجازات.
خليل الدمون من وجوه الثقافة السينمائية البارزة بالمغرب:
يعتبر الكاتب والباحث والجمعوي والناقد السينمائي الأستاذ خليل الدمون، المزداد بحي مرشان بطنجة سنة 1947، واحدا من السينفيليين القدماء المتابعين على امتداد أكثر من نصف قرن لمسار السينما بالمغرب ولمختلف الإنتاجات السينمائية العالمية. انفتح لأول مرة على القاعات السينمائية (ألكسار والريف والمبروك وغيرها…)، بمسقط رأسه، وعلى الأنشطة الفنية والثقافية، التي كانت تنظمها الأندية السينمائية والمراكز الثقافية الأجنبية، منذ كان تلميذا في ستينيات القرن الماضي بثانوية ابن الخطيب، وظل مواكبا للحركة السينمائية بالمملكة المغربية وفاعلا في حقلها الثقافي والجمعوي إلى الآن.
يذكر أن عشق السينما والانخراط في العمل الجمعوي الثقافي قد انطلق لدى الدمون منذ وقت مبكر، وتعزز هذا العشق عندما أصبح طالبا جامعيا بفاس، حيث ساهم مع طلبة آخرين في تأسيس نادي سينمائي بكلية ظهر المهراز (لم يعمر أكثر من سنة) عرضت ونوقشت في إطار أنشطته داخل الحي الجامعي مجموعة من أفلام أروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وغيرها، كما تعزز أيضا عندما أصبح أستاذا بمدينة وزان، التي قضى بها ثمان سنوات، ثم ترسخ بمدينة طنجة بعد عودته للعمل والإستقرار بها.
التحق خليل بعد حصوله على البكالوريا سنة 1966 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (ظهر المهراز) والمدرسة العليا للأساتذة بفاس ودرس بهما إلى حدود سنة 1971، وبعد تخرجه مارس تدريس اللغة العربية بالتعليم الثانوي بمدينة وزان، وأصبح بعد ذلك مديرا لمركز تكوين المعلمين بطنجة من 1978 إلى 2005. وبالموازاة مع ذلك نشر نصوصا أدبية بجريدة “المحرر” ومجلة “أقلام” المغربية ومجموعة من المجلات العراقية، وأصبح عضوا في “اتحاد كتاب المغرب” منذ سنة 1982، في عهد رئيسه آنذاك الروائي والناقد الأدبي والأستاذ الجامعي محمد برادة، وساهم في تأسيس نادي الفن السابع بطنجة سنة 1988. كما ساهم قبل ذلك بوزان في تأسيس النادي السينمائي سنة 1975 وجمعية الوعي الثقافي سنة 1976 والنادي السينمائي الطنجي سنة 1978، وهو حاليا مدير مهرجان بصمات لفنون المدينة بطنجة ورئيس منتدى الفكر والثقافة والإبداع بها، وهو المنتدى الذي ساهم في تأسيسه سنة 2010، هذا إلى جانب رئاسته للجمعية المغربية لنقاد السينما (منذ أكتوبر 2023) التي سبق له عدة مرات أن ترأسها منذ تأسيسها، وهي عضوة في الفدرالية الدولية للصحافة السينمائية (FIPRESCI) والفدرالية الإفريقية للنقد السينمائي (FACC)، وهذه الأخيرة سبق لخليل الدمون أن ترأسها في الفترة من 2015 إلى 2018.
كتب ونشر خليل الدمون أيضا، بالإضافة إلى القصة القصيرة، مقالات نقدية في الأدب والسينما والفنون والثقافة عموما، في الجرائد والمجلات المغربية والعربية، وأعد ونشط وساهم في برامج إخبارية وحوارية وفنية وسينمائية وثقافية بإذاعة طنجة من 1980 إلى 1998 من بينها: “180”، “داخل الإطار”، “بالأبيض والأسود”، “اللقاء المفتوح”… وتحمل المسؤولية داخل المكاتب المسيرة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب بعد تأسيسها سنة 1973، وساهم في تطوير ملتقى خريبكة للسينما الإفريقية منذ دورته الثانية سنة 1983 واضطلع بمهمة الكاتب العام ل”جواسم” من 1986 إلى 1992، إبان رئاسة الأستاذ المختار آيت عمر لهذه الجمعية السينمائية الوطنية العتيدة في الفترة من 1983 إلى 1992، وكان عضوا في هيأة تحرير مجلتها “دراسات سينمائية (من 1985 إلى 1991). ساهم أيضا في تأسيس “اتحاد نقاد السينما بالمغرب” سنة 1992، الذي ترأسه الراحل بشير قمري، وبعد توقف هذا الإتحاد ساهم سنة 1995 في تأسيس “جمعية نقاد السينما بالمغرب” التي أصبحت تحمل فيما بعد إسم “الجمعية المغربية لنقاد السينما”. كما ساهم في إطلاق واستمرارية ثلاث مجلات سينمائية هي تباعا “دراسات سينمائية” (13 عددا)، “سيني.ما” (11 عددا)، “المجلة المغربية للأبحاث السينمائية” (صدر عددها 15 الخاص بالسينما المغربية في شتنبر 2024)… هذا بالموازاة مع الإشراف على إصدار سلسلة كتب جماعية حول تجارب المخرجين المغاربة سعد الشرايبي وعبد القادر لقطع وفريدة بنليزيد وداود أولاد السيد والجيلالي فرحاتي وأحمد المعنوني وفوزي بن السعيدي وحكيم بلعباس ونبيل عيوش وهشام العسري ولطيف لحو…، ضمن سلسلة “لقاءات سينمائيون ونقاد” من منشورات الجمعية المغربية لنقاد السينما، والمشاركة في العديد من الندوات ولجن التحكيم واللجن التنظيمية لبعض المهرجانات السينمائية وعلى رأسها المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
ونظرا للخبرة المعتبرة التي راكمها على امتداد عقود في مجالات النقد والكتابة والبحث والتدبير الجمعوي والإعلام الإذاعي والترجمة وغير ذلك من الأنشطة الثقافية، كلف في السنوات الأخيرة بتدريس مواد النقد السينمائي والترجمة والصحافة والتواصل ببعض مؤسسات التعليم العالي ككلية الآداب بتطوان (مسلك الدراسات السينمائية والسمعية البصرية) ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، خصوصا وأنه حاصل على شهادة الدروس المعمقة في النقد الأدبي من كلية الآداب بالرباط وقبلها على إجازة في الأدب العربي من كلية الآداب بفاس.
يعتبر خليل الدمون واحدا من السينفيليين الذين ساهموا في نقل النقد السينمائي من شكله الشفوي (داخل الأندية السينمائية) إلى شكله المكتوب (في الجرائد والمجلات والكتب) والمسموع (عبر البرامج الإذاعية المتخصصة) والمرئي (عبر برامج التلفزيون)، وبالتالي فرضه كنشاط أو إبداع له خصوصيته داخل الحقل الثقافي المغربي. ولا يخفى على المتتبعين أن أنشطة الدمون المتعددة المتمثلة في مشاركاته المكثفة (ثقافيا وتنظيميا) في ملتقيات وندوات ثقافية وفكرية وفنية مرتبطة بحركة الأندية السينمائية بمختلف المدن المغربية، وفي لجن تحكيم وطنية وعربية ولجن تنظيم مهرجانات سينمائية وتظاهرات ثقافية وغيرها لم تترك له متسعا من الوقت للكتابة المتأنية. ويرجع تاريخ أول نص مكتوب نشره في مجلة “دراسات سينمائية” بعنوان “السينما المغربية.. القراءة الثانية”إلى سنة 1985. وبهذا قطع مع مرحلة الشفوي وطغيان القراءات الإيديولوجية، رغم أنه كان يشارك في إعداد البطاقات التقنية للأفلام ومواد المجلات الحائطية والنشرات الداخلية في إطار أنشطة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم)، وقد أصدر في السنوات الأخيرة كتابين جمع بين دفتيهما عينات من نصوصه المنشورة منذ منتصف الثمانينات إلى الآن حول السينما والأفلام وأساليب الكتابة لدى بعض المبدعين السينمائيين والنقاد وغير ذلك، هما: “أشلاء نقدية” (2015) و”السينما والفكر النقدي” (2024).
يضم الكتاب الأول نصوصا تعكس رؤى ومقاربات خاصة بقضايا متنوعة لها علاقة بالنقد والفيلم المغربي والسينما إجمالا، تمت صياغتها في سياقات تاريخية مختلفة من 1985 إلى 2014. أما نصوص الكتاب الثاني (145 صفحة) فهي تباعا: السينما بين المتخيل والفكر النقدي، مسارات الفكر النقدي في كتابات نور الدين الصايل، سينما الدياسبورا المغربية: أية هوية بين الهنا والهناك؟، سينما سنوات الرصاص في المغرب: المعاينة والإشهاد، بين الرواية والسينما.. وفاء أم خيانة؟ الكرنك نموذجا، ناصر خمير.. ثنائية الصحراء والحكاية، محمد مفتكر والتفكير بالسينما، تمظهرات المقدس في السينما الإفريقية، المخرجات المغاربيات: أي حضور في أية سينما؟، “أحلام” للمخرج الياباني أكيرا كوروزاوا.. بين الحلم والحلم أحلام، الطريق والقلعة فضاءان حاسمان في سيرورة الحكي في “ابن السبيل” و”بادس” لمحمد عبد الرحمان التازي.
نقرأ في الغلاف الخلفي لهذا الكتاب الأخير ما يلي: ونحن نعالج قضية الفكر النقدي في ارتباطه بالسينما، لا مناص من الرجوع إلى الدراسات الغزيرة التي نشرت حول هوية الفكر التي تتضمنها الأعمال السينمائية، خاصة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث طرح فلاسفة ومفكرون كثيرون أسئلة عميقة تصب على العموم في طبيعة
العلاقة بين الفكر والسينما، خاصة عند محاولتهم تأسيس إطار نظري للسينما أو في أحسن الحالات مناقشة مفهوم جمالية السينما، وذلك في إطار التأمل الفلسفي حول الفن عموما وفلسفة السينما بوجه خاص.
بقلم: أحمد سيجلماسي