ديسمبر 22, 2024
حوارات

حوار مركز مع حميد بناني حول فيلمه “وشمة”‎

حميد بناني

أجريت حوارا مركزا مع حميد بناني حول ظروف إنتاج فيلم “وشمة”، الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المغربية وعلاماتها البارزة، وحول اختيار بطله وفضاءات تصويره والتيمة الغالبة عليه وكذا حضور عناصر من السيرة الذاتية لمبدعه فيه. وقد سبق لي نشر هذا الحوار بالمجلة الإلكترونية المغربية الفنية المتخصصة “بيت الفن المغربي” يوم 19 يونيو 2020.

ولعل ما أعطى لفيلم “وشمة”، الفائز بالتانيت البرونزي بمهرجان أيام قرطاج السينمائية سنة 1970، قيمة فنية أكثر من غيره من أفلام الستينيات ومطلع السبعينيات هو تظافر جهود ثلة من المبدعين المتميزين في إنجازه. فقد أخرجه حميد بناني انطلاقا من سيناريو كتبه بنفسه وساعده في ترجمة حواراته من الفرنسية إلى العربية الدارجة المبدع المسرحي محمد تيمود، وأشرف على تصويره محمد عبد الرحمان التازي بمساعدة محمد السقاط، ووضع له الموسيقى التصويرية كمال دومينيك إيلوبوا (من وجدة)، واضطلع بمهمتي السكريبت والمونطاج أحمد بوعناني، الذي تكلفت زوجته نعيمة سعودي بالملابس والماكياج، وشخص أدواره الرئيسية ممثلون محترفون من أشهرهم آنذاك عبد القادر مطاع ومحمد الكغاط ومحمد حماد الأزرق والعربي اليعقوبي وخديجة مجاهد بالإضافة إلى الطفل توفيق دادة ومجموعة من الهواة… إنه ثمرة جهود أربعة سينمائيين مغاربة أسسوا شركة “سيكما 3” وهم: حميد بناني ومحمد عبد الرحمان التازي ومحمد السقاط وأحمد بوعناني، وساعدهم في الإنتاج مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك عمر غنام (1930- 1971) ووزارة الأنباء والسلطات المحلية بمكناس وناحيتها والفيدرالية المغربية لنوادي السينما برئاسة المحامي عبد الحق العلمي.

تجدر الإشارة إلى أن بعض وقائع الفيلم وفضاءات تصويره تحيل على البيئة التي عاش فيها مخرجه ومؤلفه حميد بناني وهو طفل صغير بمدينة مولاي إدريس زرهون ونواحيها، وهي البيئة التي كان يعرفها جيدا بحكم زياراته المتكررة لها من مكناس رفقة أسرته، خصوصا وأن والده كان يملك ضيعة فلاحية هناك.فيما يلي أعيد نشر نص الحوار المذكور، بعد أن خصصت ورقة للتعريف بحميد بناني،المزداد بمكناس يوم 5 نونبر 1940 وليس 1942، في الجزء الثالث من سلسلتنا التوثيقية “وجوه من المغرب السينمائي”:

حميد بناني الشاب مع والدته
حميد بناني الشاب مع والدته.

ج: بعد حصولي على الإجازة في الفلسفة سنة 1963 من كلية الآداب بالرباط سافرت إلى باريس لإتمام دراستي كطالب دكتوراه، حيث تابعت محاضرات كل من رولان بارث وجاك دريدا وغيرهما. إلا أن شوقي للسينما كان أقوى، الشيء الذي دفعني إلى الالتحاق بمعهد الدراسات السينمائية العليا (IDHEC) تخصص “إخراج وإنتاج”.

أخرجت فيلمين روائيين قصيرين بفرنسا، بعد تخرجي أواخر سنة 1967 من المعهد المذكور، هما: “الخادمات” و”قلبا لقلب”. وبعد ذلك كنت متحمسا للعودة إلى أرض الوطن، رغم الإمكانيات التي كانت متوفرة لي للبقاء بباريس، حيث كنت متزوجا من شابة فرنسية كانت طالبة دكتوراه معي في السوربون. لقد فضلت العودة إلى المغرب لممارسة السينما في وطني.

    حميد بناني رفقة زوجته الفرنسية ماري شارلوط
    حميد بناني رفقة زوجته الفرنسية ماري شارلوط

مباشرة بعد عودتي من فرنسا اشتغلت من 1968 إلى 1970 رئيسا لمصلحة العلاقات الخارجية بالتلفزة المغربية، وأنتجت بعض الأفلام الوثائقية، لكنني لم أكن أبدا مرتاحا داخل أجواء التلفزيون، حيث عانيت كثيرا من مضايقات إدارته، الشيء الذي دفعني في الأخير إلى تقديم استقالتي من المنصب.

بعد مغادرتي لوظيفة التلفزيون تفرغت لكتابة سيناريو فيلم “وشمة” وأسست شركة “سيكما 3” رفقة السينمائيين محمد عبد الرحمان التازي ومحمد السقاط وأحمد بوعناني.

أما فيما يتعلق بتكلفة إنتاج هذا الفيلم الروائي الطويل فقد كان هناك مصدران أساسيان لتنفيذ إنتاجه:

أولا، ساعدني مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك الراحل عمر غنام، حيث وضع رهن إشارتي معدات التصوير والمختبر والأستوديو ورخص للسينمائيين الذين أسسوا معي شركة “سيكما 3” كي يشتغلوا معي في الفيلم، لأنهم كانوا موظفين بالمركز السينمائي المغربي. لقد تعاطف الراحل عمر غنام معي وكان له أمل كبير في أن تشكل تجربتي مع هذا الفيلم تجربة ناجحة ومغايرة مقارنة مع تجارب الأفلام الروائية الطويلة الأولى الثلاثة التي أنتجها المركز السينمائي المغربي في أواخر الستينيات ولم يكن هو راض عنها أبدا.

ثانيا، تلقيت إعانة مالية مجانية لإنتاج الفيلم من رئيس الفيدرالية المغربية لنوادي السينما الأستاذ عبد الحق العلمي، الذي قدمه لي صديقي نور الدين الصايل الكاتب العام آنذاك لنفس الفيدرالية، علما بأن هذا المبلغ المالي هو الذي ساعدني بشكل كبير في التصوير الكامل للفيلم.

ج: عندما كنت بصدد اختيار الممثلين (الكاستينغ) اقترح علي المسرحي محمد تيمود، الذي ترجم معي حوارات الفيلم من الفرنسية إلى العامية، صديقه محمد الكغاط. وعندما التقيت بهذا الأخير أحسست به وتيقنت من أنه ممثل متمكن ومثقف. أما الطفل توفيق (إبن مكناس)، الذي أصبح فيما بعد مهندسا بإسبانيا، فقد انقطعت أخباره في المدة الأخيرة. من الناس من يقول أنه مات، ومنهم من يقول أنه لا يزال على قيد الحياة. لقد سبق لي أن تواصلت معه منذ زمن، حيث شكرني لأنني كنت، ونحن في بلاطو التصوير، أشجعه على الدراسة وأنصحه بالمداومة على القراءة. على أية حال رحم الله الراحلين وأطال في عمر الباقين من عناصر طاقمي الفيلم الفني والتقني.

ج: علاقة الأب بالأبناء في تلك الحقبة الزمنية كان يشوبها نوع من التعصب والصرامة، وهذا الأمر عشته بنفسي وشاهدته، فالمجتمع المغربي كان متشددا وقتها ولم يكن واعيا كما الآن.. ففي فيلم “وشمة”، مثلا، كان الطفل يعلم أنه متبنى وكان من جراء ذلك يعاني من عقدة نقص، إذ ليس له سند نفسي ولا ركيزة في الحياة، فهو لم يكن يعرف شيئا عن والديه الحقيقيين. أما الأب فكان متشددا، شأنه في ذلك شأن أغلبية الآباء التقليديين آنذاك، لقد كانوا صارمين حتى مع أبنائهم الحقيقيين.. وهذا ما اصطلح عليه بـ”عقدة أوديب” عند المحلل النفسي سيغموند فرويد أي هناك صراعا دائما بين الأب والإبن.

.ج: علاقة الأم بالإبن في فيلم “وشمة” علاقة حب وحرمان من الأمومة، فهذه الأم لم تنجب من زوجها، زيادة على أن الأم في الغالب تكون حنونة أكثر على أبنائها من الأب

نعم علاقتي بقصة الطفل في فيلم “وشمة” علاقة متقاربة، لقد فقدت والدي وعمري حوالي خمس سنوات، وعشت وحيدا مع أمي وعانيت من حرمان الأب.. الفرق بيني وبين الطفل (مسعود) في الفيلم هو أنني كنت أعلم أن لدي أب توفاه الله، أما مسعود فلم يكن له علم بوالديه معا. إذن أنا كنت أشعر بأن لدي ركيزة عائلية، عكسه هو، الذي كان “مقطوعا من شجرة” كما يقولون.

.”ج: نعم كان والدي يهوى الصيد في نواحي مكناس، حيث كان يمتلك بندقية صيد ومسدسا وكان أحيانا يأخذني معه للصيد، من هنا أخذت الفكرة ووظفتها في فيلم “وشمة

ج: نعم، مشهد واد ردم كان بجوار ضيعة والدي.. كنت أسافر عند عمتي بمولاي إدريس زرهون في المراسيين وسيدي علي ومساوة ، وكنت ألعب مع الأطفال ومع أبناء عمتي وبقيت محتفظا في ذاكرتي بكل أزقة مولاي إدريس وسيدي علي، منذ الطفولة وحتى كبرت، وصورت جزءا كبيرا من فيلم “وشمة” هناك وهذا نابع من بيئتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X