مباشرة بعد افتتاح تظاهرة “مهرجان السينما”، ابتداء من السادسة والنصف من مساء يومه الأربعاء 4 شتنبر الجاري، بحضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، ينظم بالرباط العرض ما قبل الأول لفيلم جيهان البحار الجديد “على الهامش” (2023- 117 د) بمركب ميغاراما، وذلك بمشاركة المخرجة وعناصر من طاقمي الفيلم الفني والتقني.
هذا الفيلم المغربي الجديد يستحق المشاهدة نظرا لقصص الحب الثلاث (Triple A) المحبوكة دراميا، التي يتمحور موضوعه حولها، ونظرا أيضا لجرأته في تناول قضايا اجتماعية شائكة وانعكاساتها النفسية على شخصيات تعاني في صمت…
وجه آخر لهند بنجبارة وعزيز داداس في الفيلم:
ما لفت انتباهي عند مشاهدتي الأولى للفيلم الدرامي الإجتماعي “على الهامش” (2023) للمخرجة والسيناريست الموهوبة جيهان البحار الكاستينغ والتشخيص وإدارة الممثلين. فعلى مستوى الكاستينغ توفقت المخرجة إلى درجة كبيرة في اختياراتها لثلة من الممثلات والممثلين، الذين شخصوا مختلف الأدوار الرئيسية وغيرها، سواء الشباب منهم (هند بنجبارة وخليل وباعقى نموذجان) أو المخضرمين (ماجدولين الإدريسي وفاطمة الزهراء بناصر وعزيز داداس وعبد اللطيف شوقي…) أو الرواد (فاطمة الناجي وعبد القادر عيزون والراحل عبد الرحيم الصمدي) أو الأطفال وغيرهم. فقد شخص كل هؤلاء الممثلون والممثلات أدوارهم بتلقائية ملحوظة مع تفاوت في قوة الحضور والإقناع أمام الكاميرا من ممثل لآخر ومن مشهد لآخر، حسب قدرات كل منهم ودرجة موهبته في التشخيص. ولعل نسبة الإقناع العالية التي بدت لي في أداء جل الممثلين والممثلات للأدوار المناطة بهم ترجع بالدرجة الأولى إلى الإدارة الجيدة لمخرجة الفيلم لهم، كما ترجع أيضا إلى مجهودات كل واحد منهم في سبر أغوار الشخصية المسندة له والإشتغال عليها بجدية قبل التصوير، وترجع من جهة ثالثة إلى السيناريو المحبوك، الذي ساهمت المخرجة في كتابته إلى جانب نادية كمالي مروازي، وأحداثه المتشابكة والمترابطة بشكل جيد بعيدا عن منطق الصدفة.
لقد أبهرتني، على سبيل المثال، الممثلة هند بنجبارة بتشخيصها لدور الشابة كريمة، الهاربة إلى الشارع من جحيم بيت أمها، الذي مورس عليها فيه تحرش جنسي واعتصبت داخله في طفولتها من طرف أحمد (زوج أمها نعيمة) المريض نفسيا، بعلم وتواطىء من هذه الأخيرة التي ظلت تعاني في صمت، هي الأخرى، بسبب حبها الأعمى لهذا الرجل البيدوفيلي. فأداؤها كان بليغا، سواء بصمتها وتقاسيم وجهها أو بحركاتها وكلامها، خصوصا عندما انفجرت في وجه أمها معاتبة إياها على الماضي الأليم الذي عاشته معها، الشيء الذي خلف لديها جروحا غائرة لم يخفف من حدتها سوى الحب الصادق الذي أبداه تجاهها حبيبها ولد عيشة. فهذا الأخير كان أحن عليها من والدتها وقد ضحى بالغالي والنفيس من أجل أن تجرى لها عملية زرع قلب جديد بغية التخفيف من آلامها.
دور هند بنجبارة في هذا الفيلم السينمائي الأول في مسيرتها الفنية كممثلة مخالف تماما لباقي الأدوار التي تقمصتها في أعمال تلفزيونية سابقة، لعل أشهرها مسلسل “لمكتوب” (2022 و2023) لعلاء أكعبون وفيلمي “لبنى وعمي لخضر” (2021) لإدريس المريني و”عمي نوفل” (2021) لهشام العسري…، فقد تجاوزت ذاتها من خلاله وعبرت عن علو كعبها في فن التشخيص.
أما عزيز داداس، الذي ظل يكرر نفسه في العديد من أعماله السينمائية والتلفزيونية السابقة، فقد أظهرته مخرجة فيلم “على الهامش” في صورة جديدة مخالفة تماما للصورة التي ترسخت في أذهان عشاقه. فقد أدى دور إنسان شعبي بسيط (عزوز) متعلق إلى حد الهوس بسعاد الممرضة (أدت دورها ماجدولين الإدريسي) وحالم بالزواج بها، إلا أنه في الأخير يكتشف أن حبه لها كان من طرف واحد لأنها لم تكن تنظر إليه إلا كسلم تصعد درجاته لتحقيق طموحاتها الأنانية بغية تجاوز واقعها المرير والتخلص من سلاطة لسان أمها.
فيلم “على الهامش”، الذي لا يخلو من مسحة كوميدية سوداء، جدير بالمشاهدة لأن فيه مجهودا ملحوظا على مستويات عدة، كتابة وتصويرا وتركيبا وإخراجا وتشخيصا…، ويمكن اعتباره نقطة ضوء في واقع سينمائي أصبحت الرداءة تكتسح شاشاته القليلة من خلال أعمال تافهة لا يمكن نعتها لا بصفة “أفلام” ولا حتى بصفة “شبه أفلام”، وذلك لأنها ببساطة غير مقنعة فنيا.
بهذا الفيلم الروائي الطويل الثاني لها برهنت المخرجة جيهان البحار على تطورها من عمل لآخر وعلى علو كعبها في كتابة السيناريو وإدارة الممثلين وتحكمها في إيقاع الفيلم عبر مونطاج متوازن.
تجدر الإشارة إلى أنه من المنتظر ان ينظم عرض افتتاحي آخر لهذا الفيلم يوم 10 شتنبر الجاري بميغاراما الدار البيضاء ابتداء من الساعة 19 قبل نزوله إلى القاعات السينمائية بمختلف المدن المغربية ابتداء من يوم 11 شتنبر الجاري.
أحمد سيجلماسي