تحت إشراف وإدارة الباحثة ليا موران، وبعنوان ترجمناه إلى العربية هكذا: “الحاجة إلى إعادة بناء أحداث بلا دلالة”، صدر بالفرنسية عن “كتب زمان” (ZAMAN Books) سنة 2022 كتاب جميل في 224 صفحة من الحجم الكبير حول أول فيلم روائي طويل لمصطفى الدرقاوي تم تصويره سنة 1974 بالدار البيضاء. وهذا الكتاب، الذي يتطابق عنوانه مع العنوان المؤقت للفيلم المذكور إبان تصويره، والمرفوق بنسخة رقمية (DVD) من الفيلم بعد ترميمه من طرف “فيلموتيكا دي كاتالونيا”، هو عبارة عن تركيب لمجموعة من الصور المقتطفة من هذا الفيلم وغيرها (صور للمشاركين فيه، صور لديبلومات المتخرجين المغاربة من مدرسة لودز…) وحوارات ونقاشات (من بينها الملف الذي نشره عبد اللطيف اللعبي بالعدد الثاني من مجلة “أنفاس” سنة 1966 حول السينما المغربية محاورا من خلاله السينمائيين الشباب آنذاك أحمد بوعناني وإدريس كريم وعبد الله الزروالي ومحمد السقاط ومحمد عبد الرحمان التازي) وقصاصات صحفية أو نصوص مكتوبة بأقلام لها علاقة من قريب أو بعيد بالفيلم وموضوعه (مصطفى الدرقاوي، علي الصافي، مصطفى النيسابوري، مونيكا تلارتشك، محمد جبريل، طوني ماريني، ماري بيير بوتيي، ليا موران، نور الدين الصايل، سعد الشرايبي، رشا سالتي، طارق الحايك، ندير بوحموش، وئام حداد، هنري شابيي) ووثائق أخرى.
يحاول هذا الكتاب تسليط الكثير من الأضواء على هذا الفيلم، الذي يعتبر علامة بارزة في تاريخ البدايات الأولى للسينما المغربية، وأسلوب كتابته وظروف إنتاجه وما تعرض له من منع وغير ذلك، خصوصا بعد العثور على نسخة سالبة منه وترميمها بإسبانيا وعرضها في إطار أنشطة الدورة 69 لمهرجان برلين السينمائي الدولي وفي افتتاح الدورة 20 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2019 وتظاهرات أخرى.
ما همني أكثر في هذا الكتاب هو تضمنه لمعطيات جديدة وتصحيحه لبعض الأخطاء المتداولة حول مسار الأخوين الدرقاوي وفيلموغرافيتهما وتسليطه بعض الأضواء على المرحلة البولونية بشكل خاص في تجربة هذين المخرجين وغيرهما ممن تكونوا بالمدرسة الوطنية العليا للسينما والتلفزيون والمسرح ليون شيلر، بلودز، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وحسب ما جاء في هذا الكتاب فمصطفى الدرقاوي من مواليد وجدة سنة 1941 وليس سنة 1944، كما هو متداول إعلاميا، وبهذا فعمره الحالي هو 83 سنة.
وبما أنني قد خصصت لمصطفى الدرقاوي ورقة في الجزء الثالث من سلسلة “وجوه من المغرب السينمائي” سنة 2020، سأكتفي هنا بالإشارة إلى أهم المعطيات الجديدة الواردة في كتاب ليا موران ومن معها.
ففيما يتعلق بالأفلام القصيرة التي أخرجها مصطفى الدرقاوي، وهو طالب ببولونيا، يفيدنا الكتاب بما يلي:
فيلم “أمغار” (1968):
يحكي هذا الفيلم الروائي الصامت قصة محيرة وغامضة جدا، خصوصا بالنسبة للمتلقي البولوني، تتمحور حول اعتقال الجيش لرجل وامرأة. يعنف الرجل بعد تكبيل يديه بالأصفاد ويدفع به إلى حائط الموت، في حين يمارس عنف جنسي على المرأة. وينتهي الفيلم بلقطة مقربة لوجه معصوب العينين. ربما يحيلنا هذا الفيلم على المقاوم الأمازيغي موحا أوحمو الزياني، بطل معركة لهري سنة 1914 بالأطلس المتوسط ناحية خنيفرة، المتوفى سنة 1921 وهو يقاوم الغزاة الفرنسيين.
فيلم “تبني” (1968):
يتمحور هذا الفيلم الوثائقي، الذي تم تصويره بالمركز الخاص بالأمهات والأطفال بمدينة لودز البولونية، حول لقاء بين أطفال ومرشحين لتبنيهم، وقد قرر مخرجه أن يقتصر على أصوات خارجية فقط للراغبين في تبني الأطفال مع تركيز الكاميرا على الأطفال المقدمين لهم. صور هذا الفيلم ومدته أربع دقائق فقط تحت الإدارة البيداغوجية للأستاذين كازيميرس كاراباس وجيرزي بوساك.
فيلم “أصحاب الكهف” (1969):
صور هذا الفيلم الوثائقي بالعاصمة (Varsovie) حول موسيقى الجاز وأجوائها وروادها وعشاقها من المثقفين ببولونيا…
فيلم “يوم في مكان ما” (1972):
هذا الفيلم الوثائقي، وفيه استمرارية لموضوع فيلم “أصحاب الكهف”، هو فيلم التخرج بالنسبة لمصطفى الدرقاوي.
ما يلاحظ على أفلام مصطفى الدرقاوي الوثائقية، عندما كان طالبا ببولونيا، أنها تدخل في إطار سلسلة من الأفلام البولونية حول موسيقى الجاز الحديثة. وللوقوف على السياقات الموسيقية والسياسية لأفلامه كلها من 1968 إلى 1972 لابد من الرجوع إلى ما كتبته المؤرخة السينمائية البولونية مونيكا تلارتشك (Monika Talarczyk) من الصفحة 46 إلى الصفحة 58 من الكتاب.
تجدر الإشارة أولا إلى أن الأخوين الدرقاوي درسا السينما بمدرسة ليون شيلر لمدة سبع سنوات، من 1966 إلى 1972، وهذه المدرسة توجد بالمدينة الصناعية لودز التي تبعد عن العاصمة البولونية بحوالي 120 كلم. وقبل ذلك كان عليهما أن يتلقيا تكوينا في اللغة البولونية بالجامعة سنة 1965. ومن الطلبة المغاربة الآخرين الذين التحقوا بهذه المدرسة السينمائية نذكر عبد الله الإدريسي (سنة 1964) وعبد القادر لقطع (سنة 1967) وإدريس كريم (سنة 1967) ومحمد بنسعيد الحليمي (سنة 1968).
كما تجدر الإشارة ثانيا إلى أن أساتذة هذه المدرسة السينمائية كانوا يتحدثون أيضا الفرنسية والأنجليزية وهذا ما سهل مأمورية الطلبة الأجانب، فمصطفى الدرقاوي، مثلا، كتب سيناريوهاته وبحث التخرج بالفرنسية، وكان يستخدم اللغة البولونية في التواصل والمسائل الإدارية.
أما الأفلام التي أخرجها الدرقاوي بعد عودته إلى أرض الوطن فأولها كان الفيلم الروائي الطويل “أحداث بلا دلالة”، الذي ساهم في إنجازه وإنتاجه وتمويله، في إطار عمل تعاوني، يذكرنا بتجربة “وشمة” سنة 1970 التي انطلقت بها السينما المستقلة بالمغرب، ثلة من الفنانين التشكيليين (محمد شبعة ومحمد لمليحي ومحمد حميدي ومصطفى حفيظ وزوجته البولونية…) والموسيقيين (البولوني أندري ناهورني) والمطربين والصحافيين والممثلين والتقنيين (عبد الكريم الدرقاوي وخديجة نور ومحمد فاخر…) وغيرهم: محمد عفيفي (مدير المسرح البلدي بالجديدة)، عبد الرحمان بلمجدوب (مدرب الفريق الوطني لكرة القدم) وعبد الرحمان الخياط (مخرج ومنتج سينمائي وتلفزيوني)…
من أهم الذين ظهروا أو شاركوا في تشخيص أدوار هذا الفيلم المختلفة نذكر الأسماء التالية: الصحافي التلفزيوني عباس الفاسي الفهري (1940- 2007)، الممثل المسرحي عبد اللطيف نور (1951- 2015) وزوجته ربيعة، الممثل والمخرج المسرحي حميد الزوغي، الممثل صلاح الدين بنموسى، الشاعر والمترجم والناقد الفني مصطفى النيسابوري، المنتج العربي بلعكاف، القصاص والروائي محمد زفزاف (1945- 2001)، الصحافي خالد الجامعي (1944- 2021)، الممثلة والمغنية سكينة الصفدي (1949- 2022)، الممثلة عائشة سعدو، المغني والملحن محمد الدرهم، الممثل عمر شنبوض (1936- 2008)، المخرج نور الدين كونجار (1946- 2023)، السينفيلي مصطفى الدزيري، الممثل حميد نجاح (1949- 2024)، الممثل عبد القادر مطاع، الممثل والمخرج والسيناريست شفيق السحيمي، الممثلة مليكة مسرار، المخرج مصطفى الدرقاوي…
فيما يلي الفيلموغرافيا الكاملة لمصطفى الدرقاوي:
1968: أمغار (فيلم قصير).
1968: تبني (فيلم قصير).
1968: بداية (فيلم قصير شارك فيه مصطفى الدرقاوي كممثل) وهو من إخراج كافيه بور راهناما (طالب باكستاني بمدرسة لودز).
1969: أصحاب الكهف (فيلم قصير).
1969: ظل بين ظلال (فيلم قصير شارك فيه مصطفى الدرقاوي كممثل) وهو من إخراج عبد القادر لقطع.
1972: يوم في مكان ما (فيلم قصير).
1974: أحداث بلا دلالة (روائي طويل).
1975- 1976: أربعة أفلام وثائقية حول العالم القروي لفائدة الحكومة العراقية عبر منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (فاو).
1976: رماد الزريبة (روائي طويل من إنجاز جماعي).
1978: الأيام المائة للمامونية (وثائقي).
1979: إثنان ناقص واحد (فيلم تلفزيوني).
1982: أيام شهرزاد الجميلة (روائي طويل).
1984: عنوان مؤقت (روائي طويل).
1984: صور عائلية (سلسلة تلفزيونية).
1986: نهاية مختلفة نوعا ما عن البداية (فيلم تلفزيوني).
1988: المرأة القروية بالمغرب (وثائقي)
1988: ميناء الدار البيضاء (وثائقي).
1991: الصمت (فيلم قصير).
1992: أول قصة (روائي طويل).
1993: الهمس الناعم للريح بعد العاصفة (فيلم قصير).
1994: أنا (لعبة) في الماضي (روائي طويل).
1994: الناعورة (روائي طويل) من إخراج مولاي إدريس الكتاني وعبد الكريم الدرقاوي، ساهم مصطفى الدرقاوي في إعادة كتابة السيناريو بطلب من شقيقه.
1994: أبواب الليل السبعة (روائي طويل).
1995: أسطورة آدم وحواء (روائي طويل).
2001: غراميات الحاج المختار الصولدي (روائي طويل).
2003: كازابلانكا باي نايت (روائي طويل).
2004: كازابلانكا داي لايت (روائي طويل).
2019: مصطفى الدرقاوي بحرية (وثائقي عنه) من إخراج صوفي ديلفالي.
2023: حميدة الجايح (روائي طويل).
هذا بالإضافة إلى أفلام قصيرة وغيرها من قبيل “الجدران الأربعة” (1964) و”التحدي” (1988) و”فنان بالصدفة” (1988)… لم يتم الإنتهاء من إنجازها كاملة.
يذكر أن زوجة مصطفى الدرقاوي، خديجة نور (1945- 2022)، عاشت معه يوما بيوم جل محطات تجربته السينمائية الطويلة منذ كانا بالديار البولونية. فقد تلقت تكوينا في الماكياج ببولونيا في الوقت الذي كان فيه الأخوان مصطفى وعبد الكريم يدرسان بمدرسة لودز، واشتغلت إلى جانب زوجها أمام الكاميرا كممثلة في بعض أفلامه القصيرة والطويلة، وخلفها كتقنية متخصصة في التجميل والملابس والديكور والمحافظة والإنتاج… كما اشتغلت أيضا مع مخرجين آخرين من قبيل سعد الشرايبي في فيلمه الروائي المتوسط الطول “غياب” (1982) وجيلالي فرحاتي في فيلمه “عرائس من قصب” (1982)…