حوارات

المخرج إبراهيم الإدريسي: فيلم “هوس” موجه للجمهور الذي يبحث عن تجارب سينمائية جديدة ومختلفة.

احتضنت إحدى قاعات المركب السينمائي ميغاراما بالدار البيضاء، مساء الخميس 5 شتنبر 2024 ابتداء من الثامنة والنصف، العرض ما قبل الأول للفيلم السينمائي المغربي الجديد “هوس” (2023) من إخراج إبراهيم الإدريسي الحسني.

يتناول هذا الفيلم الدرامي النفسي والإجتماعي موضوعا جديدا غير مستهلك في السينما والتلفزيون بالمغرب، وتتمحور أحداثه حول الشاب سعيد المهووس بنجمة التمثيل والغناء ابتسام، يطاردها في كل مكان محولا بذلك حياتها إلى رعب يومي. تتفاقم حالة هذا الشخص النفسية المرضية بسبب تأثير وسائل التواصل الإجتماعي التي تغذي هذا النوع من الدوافع إلى حد فقدان الصواب وقتل الأبرياء. 

تجدر الإشارة إلى أن المخرج إبراهيم الإدريسي الحسني، الحاصل على دبلوم الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة السينما والتلفزيون الحكومية بسان بطرسبورغ بروسيا، سبق له أن أخرج لحد الآن مجموعة من الأعمال السينمائية، من بينها  الروائي القصير “ملاذ” (2015)، من بطولة نادية نيازي وعز العرب الكغاط، والوثائقي القصير “حرف من نار” (2012)، والفيلم الوثائقي الطويل “رقص الصحراء” (2022) المستفيد من الدعم الذي يشرف عليه المركز السينمائي المغربي، والتلفزيونية، نذكر منها “الطيب العلج موليير” (2023) و”دكة احتياط” (2022)، وثائقيان لفائدة قناة “الجزيرة الوثائقية”، وفيلم “الشاهدة” (2018)، لفائدة قناتنا “الأولى”، وسيتكوم “ماشي بحالهم” (2018)، لفائدة “الأولى”، وهو من بطولة الراحلين عزيز سعد الله وخديجة أسد وآخرين وإخراج مشترك بين إبراهيم الإدريسي وأحمد بوعروة…

على هامش هذا العرض الإفتتاحي لفيلم “هوس” وبمناسبة” نزوله إلى القاعات السينمائية الوطنية، أجرينا الحوار التالي مع مخرجه:

س، بطلة فيلمك الروائي الطويل الأول “هوس” ممثلة تلفزيونية بالدرجة الأولى، فهذا أول فيلم سينمائي لها، لماذا اخترت جيهان كيداري لأداء دور المطربة والممثلة ابتسام في الفيلم؟

ج، اختيار جيهان كيداري لتجسيد دور الفنانة والممثلة ابتسام في فيلم “هوس” لم يكن سهلاً. شخصية ابتسام هي نجمة لديها ملايين المعجبين، ومن بينهم من يصل إعجابه إلى حد الهوس. لذا، كان من الضروري العثور على ممثلة تتمتع بجمال لافت وجاذبية كبيرة، تجعلها قادرة على إقناع الجمهور بأنها تستحق هذا المستوى من الإعجاب والجنون. جيهان كيداري، رغم أنها معروفة أساساً بأدوارها التلفزيونية، فهي فنانة موهوبة وذات حضور قوي على مواقع التواصل الاجتماعي. وعندما ناقشنا مشروع الفيلم، شاركتني تجاربها مع بعض المعجبين الذين يظهرون علامات الهوس في الرسائل التي يتواصلون بها معها. هذه التجارب الشخصية أضافت لجيهان عمقاً ومصداقية في تجسيدها لهذا الدور المعقد، مما جعلها الخيار المثالي لتجسيد شخصية ابتسام.

س، كان الممثل مراد حميمو مقنعا بدرجة معقولة في أدائه لدور سعيد، كيف كانت إدارتك له؟

ج، مراد حميمو ممثل موهوب للغاية، لكنه لم يحصل سابقًا على فرصة مناسبة لتجسيد دور بطولة في فيلم سينمائي يبرز من خلاله موهبته الحقيقية. عندما عملنا على تطوير شخصية سعيد، كنت حريصًا على أن نفهم معًا تعقيدات هذه الشخصية المركبة. سعيد هو شخص يعاني من هوس عاطفي وتوتر نفسي، وهذا يتطلب أداءً يتجاوز المألوف. جلسات العمل التي عقدناها كانت فرصة لمراد لاستكشاف أبعاد جديدة في أدائه، مع التركيز على جعل سعيد شخصية حية وحقيقية.
كنت منفتحًا على مقترحات مراد خلال العمل، مثل إضافة تلك الابتسامة الغريبة التي يستخدمها سعيد للتعبير عن هوسه الداخلي. هذه الابتسامة كانت تعبيرًا غير لفظي عن اضطراب سعيد النفسي، مما أضاف عمقًا للشخصية. كما عملنا على لغة الجسد لتعكس التوتر الداخلي لسعيد.

س، كان أداء أغلبية ممثلي فاس في هذا الفيلم جد مقنع، خصوصا محسن مهتدي ومحمد طوير الجنة والخمار المريني ومولاي حسن العلوي الإسماعيلي وغيرهم، ما هي الإعتبارات التي تحكمت في اختيارك للممثلين المحليين وغيرهم؟

 ج، بالطبع، كوني ابن مدينة فاس، كانت لدي معرفة عميقة بالممثلين المحليين، مثل محسن مهتدي، ومحمد طوير الجنة، والخمار المريني، ومولاي حسن العلوي الإسماعيلي، وغيرهم. هؤلاء الفنانون ليسوا فقط زملاء، بل هم أيضًا أصدقاء ومعارف أعمل معهم منذ سنوات. هذه العلاقة الطويلة والمستمرة معهم جعلتني أتعرف بشكل دقيق على إمكانياتهم الفنية ونقاط قوتهم، مما ساعدني في توزيع الأدوار بشكل دقيق يتناسب مع شخصياتهم وموهبتهم.
لقد نشأ هؤلاء الممثلون في بيئة مسرحية غنية، حيث صقلت مواهبهم من خلال تجاربهم على خشبة المسرح، وهو ما يجعلهم يتمتعون بقدرات تمثيلية قوية. ومع ذلك، كانت هناك حاجة إلى توجيههم ببعض التعليمات الدقيقة، خاصة أن التمثيل السينمائي يختلف في طبيعته عن التمثيل المسرحي. في السينما، التفاصيل الصغيرة والتعبيرات الدقيقة تلعب دورًا أكبر في إيصال المشاعر والرسائل، وهذا ما عملت على توضيحه لهم.

على سبيل المثال، محسن مهتدي ومحمد طوير الجنة يمتلكان طاقات تمثيلية استثنائية ويستحقان مزيدًا من الاهتمام في الساحة السينمائية المغربية. لذا، كانت توجيهاتي تركز على كيفية استغلال هذه الطاقات بشكل يتناسب مع متطلبات السينما، من حيث التحكم في الأداء والتركيز على التفاصيل الدقيقة التي تضيف عمقًا إلى الشخصيات.

س، موضوع الفيلم جديد نسبيا بالنسبة للسينما المغربية، لماذا راهنت عليه في أول تجربة إخراجية لك على مستوى الفيلم الروائي الطويل؟

ج، اختياري لهذا الموضوع لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة لاهتمامي بتسليط الضوء على قضية تزداد أهمية في عصرنا الحالي، وهي السيكوباتية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي. في ظل انتشار هذه الوسائل وتحولها إلى جزء أساسي من حياتنا اليومية، أصبحت حالات الهوس والمضايقات التي يتعرض لها المشاهير من قبل بعض المعجبين أمرًا واقعًا يتطلب التناول الفني.
ومع ذلك، من النادر أن يتحدث الفنانون أو المشاهير عن مثل هذه التجارب علنًا، خوفًا من فقدان جماهيرهم أو التأثير على صورتهم العامة. لذلك، رأيت في هذا الموضوع فرصة لاستكشاف جانب مظلم من الشهرة قلما يتم التطرق إليه في السينما المغربية. في أول تجربة إخراجية لي على مستوى الفيلم الروائي الطويل، أردت أن أقدم عملاً يتناول قضايا معاصرة تمس المجتمع بشكل مباشر، وهو ما جعلني أراهن على هذا الموضوع الجديد والمثير للاهتمام.

س، فيلم “هوس” فيه مجهود ملحوظ على مستويات عدة، فهو يحكي قصة محبوكة لها بداية وعقدة ونهاية بشكل لا يخلو من تشويق، هل تراهن من خلاله على الجمهور العريض المتتبع خصوصا للأعمال الدرامية التلفزيونية؟

ج، بالتأكيد، فيلم “هوس” يسعى لجذب جمهور عريض، بما في ذلك المتابعين للأعمال الدرامية التلفزيونية، من خلال تقديم تجربة سينمائية تتفوق في التعبير البصري. السينما تتمتع بقدرة فريدة على استخدام العناصر البصرية والتقنيات الفنية لنقل المشاعر وتعزيز السرد بشكل أكثر تأثيرًا، وهو ما يميزها عن التلفزيون.
في فيلم “هوس”، حرصنا على الاستفادة من هذه الخصوصية السينمائية لتقديم قصة محبوكة تتضمن بداية مشوقة، عقدة مثيرة، ونهاية مؤثرة. نأمل أن يقدر جمهور السينما هذه الجوانب البصرية والفنية التي تعزز من تجربة المشاهدة، وتجذبهم إلى قاعات العرض للتمتع بمحتوى درامي متقن.

س، كإنتاج ذاتي، وبشهادة المهتمين الذين شاهدوا الفيلم في عرضه ما قبل الأول ليلة الخميس 5 شتنبر الجاري بالقاعة 6 للمركب السينمائي ميغاراما بالدار البيضاء، يمكن اعتباره أفضل شكلا ومحتوى من الكثير من الأعمال التافهة ذات المنحى الكوميدي المبتذل التي أغرقت السوق مؤخرا، ما هي توقعاتك لنجاحه فيالقاعات السينمائية عند عرضه بها ابتداء من يوم الأربعاء 11 شتنبر الجاري؟

ج، فيلم هوس هو إنتاج ذاتي، ولم يحصل على أي دعم مالي، ما يجعله تحديًا كبيرًا لنا لتحقيق نجاحه في القاعات السينمائية من خلال الإيرادات. حاولنا أن نقدم للجمهور قصة مثيرة ومحبوكة تحمل رسالة هادفة، وهو ما يميز الفيلم عن العديد من الأعمال الكوميدية التي سيطرت على الساحة السينمائية المغربية مؤخرًا.
في السنوات الأخيرة، ساد الاعتقاد بأن الأفلام الكوميدية فقط هي التي تجذب الجمهور إلى السينما، لكنني أؤمن بأن هناك مجالًا لأنواع أخرى من الأفلام لتحقق نجاحًا مماثلًا. بناءً على التفاعل الإيجابي الذي لاحظناه في العرض ما قبل الأول، أتوقع أن يحظى فيلم “هوس” بإقبال جيد عند عرضه في القاعات، خصوصًا من طرف الجمهور الذي يبحث عن تجارب سينمائية جديدة ومختلفة.

أجرى الحوار بالدار البيضاء أحمد سيجلماسي

Exit mobile version