حوارات

في حوار مع المخرجة جيهان البحار

الكوميديا السوداء كانت خيارًا طبيعيًا للتعامل مع مواضيع ثقيلة في فيلم “على الهامش”.

جيهان البحار مخرجة وسيناريست من مواليد الدار البيضاء يوم 30 شتنبر 1978، مارست إلى جانب الإخراج وكتابة السيناريو مهام أخرى كالمونطاج والسكريبت والإنتاج.

بعد حصولها على البكالوريا الأدبية سنة 1996 ودبلوم الدراسات الجامعية العامة في الأدب الإسباني سنة 1999 والإجازة التطبيقية في السمعي البصري سنة 2001 من كلية الآداب بن مسيك، استفادت من دورات تكوينية داخل المغرب وخارجه من بينها تكوين في المونطاج الإفتراضي بالمركز الأورو – متوسطي للسينما والسمعي البصري بورزازات (2004 – 2006).. بالإضافة إلى سيناريوهات أفلامها كمخرجة، كتبت جيهان أو أشرفت أو شاركت في كتابة سيناريوهات أعمال سينمائية وتلفزيونية عديدة.

إلى جانب إخراجها لأفلام سينمائية قصيرة وبعض الأعمال تلفزيونية، أخرجت أول أفلامها السينمائية الروائية الطويلة سنة 2016 بعنوان “في بلاد العجائب”، وفي سنة 2023 أخرجت “على الهامش”، وهو ثاني أفلامها السينمائية الطويلة. يحكي هذا الفيلم الجريء،   في مدة زمنية تقارب الساعتين، ثلاث قصص حب تتقاطع مصائر أبطالها المهمشين بشكل غير متوقع، ويسلط الضوء على مجموعة من المواضيع الشائكة (البيدوفيليا والفساد وزنا المحارم وتجارة الأعضاء) ويقربنا من فئة من الناس تعاني نفسيا واجتماعيا في صمت رهيب. وقد قام بتشخيص أدواره الرئيسية ثلة من الممثلات والممثلين المحترفين من بينهم ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس وفاطمة الزهراء بناصر وعبد اللطيف شوقي وهند بن جبارة وخليل وباعقى والراحل عبد الرحيم الصمدي وغيرهم.

بعد العرض ما قبل الأول لفيلم “على الهامش” وبمناسبة نزوله للقاعات السينمائية الوطنية ابتداء من الثلاثاء 11 شتنبر الجاري، أجرينا مع مخرجته جيهان البحار الحوار التالي:

س: للمرة الثانية تشتغلين مع الثنائي ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس، لماذا هذا الإختيار؟ وبماذا يتميز أداؤهما في فيلم “على الهامش” عن أدائهما في فيلمك الروائي الطويل الأول “في بلاد العجائب”؟

ج: أولاً، التعاون مع ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس جاء من اقتناع راسخ بموهبتهما وقدرتهما على تقديم أدوار معقدة ومليئة بالتفاصيل. عندما عملنا معًا لأول مرة في فيلم “في بلاد العجائب”، كان التحدي هو تقديم شخصيات كوميدية في بيئة غير مألوفة للكوميديا، وهي البيئة الجبلية القاسية. هنا، كان الدور الأساسي هو إيجاد التوازن بين الكوميديا والطبيعة القروية القاسية، حيث قدم الثنائي أداءً مرنًا يتناسب مع طبيعة الفيلم.

في “على الهامش”، تغيرت المعطيات تمامًا. الشخصيات في هذا الفيلم تعيش أزمات وجودية واجتماعية معقدة، والفيلم يحمل طابعًا دراميًا أعمق بكثير مع لمسة من الكوميديا السوداء. ما يميز أداء ماجدولين وعزيز هذه المرة هو قدرتهما على التحول الكامل، من أدوار مرحة وبسيطة إلى شخصيات مركبة تواجه تحديات حياتية شديدة. ماجدولين، بشخصية سعاد، تظهر بعمق عاطفي لم نره من قبل، حيث تجمع بين القوة والهشاشة في آن واحد. أما عزيز، فيقدم دورًا غير مألوف له، دور شخصية متأزمة ومليئة بالتناقضات، مما يتطلب منه جهدًا أكبر في تجسيد البعد الإنساني للشخصية.

س: أبهرتني هند بنجبارة بأدائها المتزن والمقنع في فيلمك الجديد، كيف استطعت إظهارها بهذا الوجه الجديد المخالف لأدوارها في التلفزيون؟

ج: هند بنجبارة هي موهبة متميزة في الساحة الفنية المغربية، ورأيت فيها إمكانيات هائلة لم تُستغل بعد. كان لدي إيمان قوي بأنها قادرة على تجسيد دور مختلف ومعقد. من البداية، كان هدفي هو إبعاد هند عن القوالب التي قد تكون قد حصرتها، ومنحها الفرصة للتعبير عن نفسها في أبعاد درامية مختلفة. أثناء التحضير، عملنا كثيرًا على بناء خلفية نفسية عميقة للشخصية التي تلعبها. ركزنا على التفاصيل الدقيقة في تعبيرات الوجه، والحركات، وحتى الصمت بين الحوارات. أردت أن تظهر هند بشكل جديد يعكس النضج الفني والتحديات العاطفية التي تواجهها شخصيتها. كان من المهم أن تتركز شخصيتها على الصراع الداخلي، ومن خلال حصص عمل مكثفة ونقاشات حول تطور الشخصية، تمكنت هند من إظهار جانب آخر من قدراتها الفنية، مما جعل أداءها مقنعًا ومؤثرًا.

س: لاحظت كثافة في المواضيع التي تناولها الفيلم، رغم البناء الدرامي المتماسك، ألم يكن بالإمكان التركيز على موضوع واحد مع العناية بتفاصيله وجزئياته؟

صحيح أن فيلم “على الهامش” يتناول مجموعة من القضايا المتشابكة، ولكن هذا كان قرارًا مدروسًا بعناية. في الحقيقة، الحياة لا تسير في خطوط مستقيمة، وكل شخصيات الفيلم تعيش أزمات مترابطة. في المجتمع الهامشي الذي أتناوله في الفيلم، لا يمكن فصل قضية الفقر عن الأمراض الاجتماعية الأخرى مثل الفساد، والجشع، والاستغلال بكل أنواعه. الشخصيات التي تعيش في هذه البيئة الهشة تعاني من ضغوط متعددة، وأردت أن أقدم صورة كاملة عن هذه الصراعات.

بالطبع، كان يمكن التركيز على موضوع واحد والتعمق فيه، ولكن شعرت بأن الفيلم يحتاج إلى هذه الشمولية في الطرح لتقديم صورة واقعية ومعقدة عن المجتمع. كان التحدي هو كيفية الحفاظ على تماسك السرد رغم كثرة المواضيع، وأعتقد أننا نجحنا في ذلك من خلال بناء شخصيات قوية ومتعددة الأبعاد. كل موضوع يتصل مباشرة بصراع داخلي أو خارجي تعيشه الشخصيات، ولهذا كانت هذه المواضيع ضرورية لإبراز الرسالة الكاملة للفيلم.

س: الراحل عبد الرحيم الصمدي كان رائعا في أدائه لدور الأب المريض، كيف كانت علاقتك معه كممثل؟ هل من شهادة في حقه؟

ج: عبد الرحيم الصمدي، رحمة الله عليه، كان واحدًا من أولئك الممثلين الذين يجعلون العمل معهم تجربة فنية وإنسانية مميزة. شخصيته الحقيقية كانت تشع بالطيبة والبساطة، وهذا انعكس بشكل واضح على أدائه في الفيلم. دوره كالأب المريض كان دورًا حساسًا، يتطلب الكثير من التعاطف والقدرة على تجسيد الألم والضعف دون مبالغة. تمكن الصمدي من تقديم هذا الدور بمهارة فائقة، وجعل من شخصيته تجسيدًا حقيقيًا للأب الذي يعاني من الهامشية والمرض في صمت. حتى في أيامه الأخيرة، أظهر التزامًا فنيًا غير عادي، مما يعكس عمق شغفه بالتمثيل. أعتبر فقدانه خسارة كبيرة للسينما المغربية، فقد كان نموذجًا للفنان الملتزم الذي يعطي كل ما لديه للفن. لذلك أهديته فيلمي في بداية الجينيريك الختامي.

س: رغم طابعه الدرامي الاجتماعي والنفسي، لا يخلو فيلمك “على الهامش” من مسحة كوميدية سوداء، ما تفسيرك لذلك؟

ج: أؤمن أن الحياة، حتى في أصعب لحظاتها، تحتوي على نوع من السخرية التي لا يمكن تجاهلها. الكوميديا السوداء كانت خيارًا طبيعيًا للتعامل مع مواضيع الفيلم الثقيلة. من خلال هذا الأسلوب، أستطيع تقديم قضايا مأساوية بطريقة تجعل الجمهور يتفاعل معها بعمق دون أن يشعر بالضغط النفسي المستمر. أحيانًا، الضحك يأتي من لحظات غير متوقعة، وهذا يعكس الطبيعة البشرية في التعامل مع الألم والصعوبات. الكوميديا السوداء ليست مجرد إضافة تجميلية للفيلم، بل هي جزء من فلسفة الفيلم التي تسعى لخلق توازن بين الواقع القاسي والحاجة إلى الأمل. الشخصيات في فيلم “على الهامش” تعيش في ظروف صعبة للغاية، ولكن من خلال الكوميديا السوداء، نحاول أن نخفف قليلاً من وطأة تلك الصعوبات، ونعطي للجمهور مساحة للتأمل في المعنى الأعمق للحياة والإنسانية.

س: هناك عنوانان للفيلم أحدهما بالعربية (على الهامش) والثاني بالفرنسية (Triple A) أي الحب الثلاثي أو الحب في ثلاثة إن صحت الترجمة، لماذا هذه الإزدواجية في العنوان؟

ج: اخترنا العنوانين لأن كلاهما يعكس جانبًا مختلفًا من الفيلم. العنوان العربي “على الهامش” يعبر بوضوح عن الوضع الاجتماعي للشخصيات الرئيسية التي تعيش في أطراف المجتمع، بعيدًا عن الأضواء والاهتمام. هذا العنوان يركز على الجانب الاجتماعي والاقتصادي للفيلم، ويشير إلى حياة الناس المهمشين الذين يعانون في صمت. أما العنوان الفرنسي “Triple A”، فيحمل دلالات متعددة. أهمها أنه يشير إلى ثلاث قصص حب متشابكة تعيشها الشخصيات الرئيسية، وكل قصة تعكس نوعًا مختلفًا من التضحية والبحث عن الحب في ظل ظروف قاسية. الازدواجية في العنوان تعكس التنوع في المواضيع التي يتناولها الفيلم. العنوان العربي يركز على الهوية الاجتماعية للشخصيات، بينما العنوان الفرنسي يشير إلى المحاور الإنسانية والعاطفية التي تدور حولها قصص الحب الثلاثية.

أجرى الحوار بالدار البيضاء وقدم له: أحمد سيجلماسي

Exit mobile version