حوارات

بوشتى المشروح و”ورثة لوميير” بفاس..

حوار مع المخرج بمناسبة العرض الإفتتاحي لفيلمه بفاس.

الأستاذ بوشتى المشروح (39 سنة) مخرج لمجموعة من الأفلام القصيرة وباحث في التاريخ، استفاد من تداريب عدة في كتابة السيناريو والإخراج وتقنيات سينمائية أخرى، كما احتك بمخرجين متمكنين (أحمد المعنوني وجمال بلمجدوب …) واشتغل كمتدرب وكمساعد مخرج في معظم الأفلام السينمائية والتلفزيونية الروائية والوثائقية التي أبدعها المخرج عز العرب العلوي.

أطر كذلك مجموعة من الورشات التكوينية في العديد من المهرجانات والتظاهرات السينمائية المغربية وترأس لجنتي تحكيم الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للشريط الوثائقي التربوي بخريبكة والدورة الثالثة لتظاهرة الشريط القصير والصورة الفتوغرافية بالرشيدية سنة 2014 … نال جوائز عدة عن أبحاثه الأكاديمية وأفلامه القصيرة وغيرها وتمرس ميدانيا في إنتاجات سينمائية وتلفزيونية … وهو بصدد إعداد كتاب للنشر في موضوع “نحو قراءة جديدة لتاريخ السينما المغربية”…

أجرينا معه الحوار التالي بمناسبة استعداده لتنظيم العرض الإفتتاحي بفاس لفيلمه الوثائقي الطويل “ورثة لوميير” (2015) يوم الجمعة خامس يونيو الجاري ابتداء من السابعة مساء بقاعة سينما بوجلود (قرب ساحة البطحاء بفاس العتيقة):  

ج : تمت استضافتي في حلقة خاصة من برنامج بثته الإذاعة الجهوية بفاس تضمن فقرة بعنوان ” ذاكرة مكان ” ، كان يقدمها الأستاذ الباحث سعيد العفاسي الملم بتاريخ فاس وبعض تفاصيله الدقيقة ، حيث تحدث عن حي النواعريين بالمدينة العتيقة الذي تم فيه فتح أول قاعة سينمائية بفاس . بعد ذلك عرفني هذا الأستاذ الصديق على رجل كبير في السن (حوالي 100 سنة) سبق له أن شاهد أفلاما في هذه القاعة السينمائية ومارس مهنا سينمائية متعددة بالمدينة . و خلال تعمقي في البحث عن بدايات السينما بالمغرب ربطت الاتصال بحفيد غابرييل فيير ، أحد مساعدي الأخوين لوميير الذي أدخل السينما إلى المغرب و مجموعة من الدول الأخرى ، الذي أطلعني على أرشيف جده . كما راسلت معهد لوميير بفرنسا من أجل التدقيق في بعض المعطيات التاريخية المتداولة عندنا حول البدايات الأولى للسينما بالمغرب (تصويرا وإخراجا وإنتاجا وعرضا …) . بعد ذلك قمت بتحديد الموضوع الذي سأشتغل عليه، و بدأت اتصالاتي بشخصيات لها علاقة بشكل أو بآخر بهذا الموضوع ، كما قمت بمعاينة الأماكن والفضاءات التي سأصور فيها لقطات ومشاهد الفيلم .

ج : دخلت السينما إلى المغرب عن طريق أحد مساعدي الأخوين لوميير ، غابرييل فيير (1871– 1936) ، وبعد ذلك شهدت المملكة المغربية تشييد قاعات سينمائية وظهور مهن ارتبطت بها ، بعضها انقرض والبعض الآخر ازدهر بشكل متوازي مع العصر الذهبي للفرجة السينمائية . وخلال العقدين الأخيرين تراجع نشاط القاعات السينمائية بشكل مهول ، مما أدى إلى توقف العديد منها وإغلاق أبوابها بشكل نهائي إن لم يتم تهديمها لتحل محلها عمارات وبنايات أخرى ، الشيء الذي انعكس سلبا على المستخدمين الذين كانوا يعملون بها ، حيث وجدوا أنفسهم عرضة للشارع، رغم محاولة البعض منهم مقاومة هذا الوضع الجديد .. تلك هي قصة دخول السينما الى المغرب ، و قصص ورثة لوميير (مستخدمو القاعات السينمائية) الذين ارتبط مصيرهم بمصير القاعات السينمائية ببلادنا .

ج : لا يمكن الجزم بشكل نهائي في هذه الحقائق ، لكن المؤكد حاليا ، أن أول فيلم تم تصويره بالمغرب يعود للأمير ألبير الأول ، جد الأمير ألبير الثاني الحاكم الحالي لإمارة موناكو ، الذي صور سنة 1897 فيلمين قصيرين جدا يتضمنان مشهدين لشارعين ، الأول بمدينة الرباط ، و الثاني بمدينة آسفي . و قد شاهدت الفيلم المرتبط بآسفي في إطار المعرض الخاص بأعمال الأمير ألبير الأول الذي نظم مؤخرا من طرف مؤسسة أرشيف المغرب … وقد تكون هناك أفلام أخرى صورت من طرف شخصيات سامية أروبية زارت المغرب في تلك الفترة … و بخصوص فيلم ” راعي الماعز المغربي ” سنة 1896 ، الذي يعتبره جل المؤرخين والباحثين في تاريخ السينما المغربية أول فيلم تم تصويره في المغرب ، فقد راسلت معهد لوميير بفرنسا ، و أجابني السيد جان مارك لاموط ( Jean-Marc Lamotte ) ، الخبير بالمعهد و المسؤول عن أرشيف و إرث الأخوين لوميير ، بشكل جازم ويقيني أن لا وجود لفيلم بهذا الإسم (chevrier ou chevalier marocain) في أرشيفات الأخوين لوميير . و بخصوص الفيلم الذي يحمل رقم 1394 و هو الرقم الذي ينسبه الباحثون المغاربة للفيلم المذكور (راعي الماعز أو الفارس المغربي) نقلا عن بعض المصادر الفرنسية فقد أجاب السيد جان مارك لاموط قائلا : الفيلم الحامل لرقم 1394 في أرشيفات لوميير لا علاقة له بالفيلم المذكور ، إنه يتعلق بفيلم ” تمارين في التزحلق على الجليد ” (Exercices de ski) الذي يظهر تدريبا على التزحلق لصيادين من الآلب بمنطقة بريانصون (Briançon) في جبال الآلب الفرنسية .

و فيما يتعلق بالفيلم المنسوب (خطأ) إلى التقني فيليكس ميسغيش والمتعلق بقصف الدار البيضاء سنة 1907 فقد أجابني هذا الخبير ومدني بنصوص من مذكرات ميسغيش أثناء تواجده بالدار البيضاء لا يتحدث فيها هذا الأخير عن قصف أو تفجيرات بالدار البيضاء وإنما عن مواجهة بين المغاربة والجزائريين الذين كانوا يشكلون الجبهة الأمامية للجيش الفرنسي آنذاك . و بالمقابل أكد لي السيد لاموط ما توصلت إليه بخصوص أول فيلم تم تصويره من طرف غابرييل فيير (أحد مساعدي لوميير) لفائدة الدولة المغربية سنة 1901 بعنوان ” فانطازيا ” (Fantasia) (أتوفر على نسخة منه) .

ج : من المعلوم أن السلطان المولى عبد العزيز (حكم من 1894 إلى 1908) ، كان مولوعا ومهووسا بالإختراعات التكنولوجية الغربية ، و بمجرد انتشار خبر أول عرض سينمائي نظمه الأخوين لوميير بفرنسا ، طلب من الصدر الأعظم : المنبهي ، أن يقام عرض سينمائي بالقصر الملكي وقد تم ذلك سنة 1897 ، حيث قام الصدر الأعظم بجلب معدات و آلات العرض من لندن و باريس ، ثم ، قام بما يشبه الإعلان عن طلب عروض خاصة بمن يأتي ليشتغل في القصر ، و بحكم الصراع القائم بين الدول الكبرى ، آنذاك ، فقد قامت الجالية الفرنسية بالاتصال بالمخترع غابرييل فيير لإقناعه بمهمة تعليم التصوير للسلطان و العمل كمصور خاص له ، و لتفاصيل أكثر يمكن العودة إلى مذكرات غابرييل فيير عبر كتابه ” في صحبة السلطان ” وهو مترجم إلى العربية .

و من خلال البحث الذي قمت به ، تبين لي أن السلطان المولى عبد العزيز هو أول مغربي قام بتصوير أفلام سينمائية مثل أفلام الأخوين لوميير الاولى ، و للأسف فقد ضاعت أعماله بعد خلعه و مبايعة أخيه ، لكني وجدت ” فوتوغرام” (photogramme) خاصة بأحد أعماله و كان مضمونها هو تصويره لحريمه يركبن الدراجات ، و بعضهن جالسات بأحد المكاتب.

ج : لا بد من التذكير أن المغرب عرف تجاذبات بين القوى الاستعمارية الكبرى في مطلع القرن العشرين ، و المؤكد هو أن طنجة كانت مدينة دولية ضمت عدة جاليات و هيئات ديبلوماسية غربية ، و قد أخبرني الناقد أحمد بوغابة ، انه يتوفر على وثيقة تثبت أن أول عرض مؤدى عنه – حجز التذاكر من الشبابيك – تم تنظيمه بمدينة طنجة سنة 1905 ، و من خلال الشهادات و المصادر التاريخية التي استندت عليها رفقة الباحث سعيد العفاسي ، يمكن القول أن أول قاعة سينمائية أقامتها سلطات الحماية كانت بفاس ب” النواعريين ” ، أحد الأحياء القريبة من جامع القرويين ، و كان ذلك سنة 1912 ، و بعدها بمدة قصيرة قامت الطائفة اليهودية بملاح فاس بفتح قاعة سينمائية أطلق عليها إسم ” سينما سطار” ، و بكل تأكيد فقد انتشرت القاعات السينمائية كالفطر بكل المدن التي كانت تحت الحماية ، مما جعل سلطاتها تصدر قرارا وزيريا سنة 1916 ينظم شروط فتح و إحداث القاعات السينمائية بالمغرب .

ج : النسخة النهائية للفيلم (100 دقيقة) ستعرض مساء الجمعة خامس يونيو 2015 ابتداء من السابعة بحضور شخصيات من عالم السينما والثقافة والفن عموما ، وذلك بقاعة ” سينما بوجلود ” التاريخية (افتتحت أبوابها في العشرينيات من القرن الماضي) ، بتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي بفاس . و بهذه المناسبة أشكر الناقد السينمائي إبراهيم الزرقاني على دعمه المادي والمعنوي لي قبل و أثناء تصوير الفيلم ، كما أشكر المخرج الدكتور عز العرب العلوي على كل ما قدمه لي من مساعدات والمخرج المهندس محمد بكير على صبره ومؤازرته لي بعد تصوير الفيلم وكل من ساعدني من قريب أو بعيد على إخراج هذا العمل الفني إلى حيز الوجود .

لقد استغرق وقت الإعداد والإنجاز ما يزيد على 3 سنوات ، ما بين البحث الأكاديمي و كتابة سيناريو الفيلم ، و البحث عن الشخصيات ، و محاولة حصر الحالات والفضاءات وغير ذلك .

أجرى الحوار بفاس : أحمد سيجلماسي

Exit mobile version