بيوفيلموغرافيات

السعدية لاديب.. صدق في الأداء وحضور قوي أمام الكاميرا

بعد تكريمات سابقة لها بمهرجانين سينمائيين بكل من سيدي قاسم (سنة 2010) وتطوان (سنة 2017) وغيرهما، تحظى الممثلة المتألقة السعدية لاديب بتكريم جديد، هذه المرة بالدورة 17 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، من 23 إلى 28 شتنبر الجاري، وذلك إلى جانب الممثلة المصرية داليا البحيري، وهما معا لهما نفس السن تقريبا. فيما يلي ورقة تقربنا من الفنانة السعدية وتجربتها في التشخيص التي قاربت ربع قرن من الزمان.

لايمكن للمتتبع اليقظ والمواكب لمشهدنا الفني ألا يقف وقفة إجلال واحترام لجيل من الممثلات والممثلين المغاربة الذين استطاعوا في وقت وجيز أن يفرضوا وجودهم بقوة وتمكن في ساحة التشخيص المسرحي والسينمائي والتلفزيوني ببلادنا، سلاحهم في ذلك موهبة فذة معززة بتكوين نظري أكاديمي رصين وممارسة ميدانية إلى جانب جيل من الرواد كان له الفضل الكبير في تعبيد الطريق ووضع اللبنات الأولى لفن التشخيص على الركح وأمام الكاميرات وخلف ميكروفونات الإذاعة. من بين هؤلاء يحضر إسم الممثلة السعدية لاديب، التي لفتت إليها الأنظار منذ أعمالها الأولى في السينما إلى جانب المتألقة راوية ( فاطمة هرندي ) والمتألق محمد بصطاوي وغيرهما، مع القيدوم محمد أومولود العبازي في فيلمه الروائي الطويل “كنوز الأطلس” (1997) أو إلى جانب الممثل الكبير محمد مفتاح في الفيلم القصير “سبقت رؤيته” (1999)، الذي يعتبر باكورة الأعمال السينمائية لزوجها الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الدكتور عزيز السالمي. فمن عمل لآخر استطاعت هذه الفنانة الرقيقة المتخرجة من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط أن ترسخ أقدامها في تربة فن التشخيص بثبات وثقة في الذات على امتداد ما يقارب ربع قرن من الزمان إلى أن أصبحت، رغم قلة أعمالها السينمائية، وجها مألوفا ومحبوبا لا يمكن للمتلقي المغربي أو الأجنبي أن ينساه بسرعة بعد مشاهدتها في السينما والمسرح والتلفزيون، وذلك لأن حضورها كممثلة يكون في غالب الأحيان حضورا قويا من خلال تشخيص تلقائي وصادق يظهر إلى أي حد هي متمكنة من أدواتها التعبيرية بحركات جسدها وقسمات وجهها وبكلامها ونظراتها وغير ذلك.

لقد أظهرت في أعمال كثيرة قدرة كبيرة على تقمص أدوار شخصيات متنوعة ( المرأة المقهورة المغلوبة على أمرها / المرأة القوية / المرأة المتحررة والمتمردة على الطابوهات… ) وفي غالب الأحيان مركبة، مع النفاذ إلى أعماقها السيكولوجية والإحاطة بشروطها السوسيو- اقتصادية.  فمن من عشاق السينما لا يذكر أدوارها في أفلام “قصة وردة” (2000) لمجيد رشيش و”شفاه الصمت” (2001) و”ولد الدرب” (2002) لحسن بنجلون و”ظل الموت” (2003) لمحمد مفتكر و”ريح البحر” (2007) لعبد الحي العراقي و”شوفني” (2007 ) لعمر مولدويرة و”حجاب الحب” (2008) لعزيز السالمي و”البراق” (2009) لمحمد مفتكر و”ملاك” (2012) لعبد السلام الكلاعي و”بورناوت” (2017) لنور الدين لخماري و”دموع الرمال” (2018) لعزيز السالمي… ؟ ومن منا لا يذكر أعمالها التلفزيونية من قبيل مسلسلات “ماريا نصار” و”سلمات أبو البنات” (خمسة مواسم) و”بنات لالة منانة” (موسمين) و”وعدي” و”اليتيمة” و”الزعيمة” و”سر المرجان” (موسمين) و”بغيت حياتك” و”طريق الورد” و”بين القصور”… وأفلام “وهم في المرآة” و”حيط الرمل” و”معطف أبي” و”غروب الشمس” و”بنت الشيخة” و”شمس الليل” و”العاطي الله” و”مطاردة” و”الزوج المثالي” وغيرها ؟

لم تكن إذن لجن تحكيم المهرجان الوطني للمسرح والمهرجان الوطني للسينما بعيدة عن الموضوعية عندما منحتها عدة مرات جوائز أحسن تشخيص، استحضر منها على سبيل المثال جائزة أحسن تشخيص نسائي مناصفة مع ماجدولين الإدريسي عن أدائهما المتميز في فيلم المخرج المتألق محمد مفتكر “البراق” في دورة 2010 لمهرجان طنجة الوطني للفيلم.

يذكر أن السعدية لاديب، المزدادة يوم 13 يونيو 1971، والحاصلة على شهادة الدراسات الجامعية (شعبة الفلسفة)، قد شاركت بعد تخرجها سنة 1997 من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط في دورات تدريبية بالمغرب وفرنسا ومصر، وكان أول وقوف لها أمام كاميرا السينما في فيلم “كنوز الأطلس”، حيث اختارها مخرج هذا الفيلم لتشخيص أحد الأدورا الرئيسية وهي لازالت طالبة في السنة الثانية بالمعهد المذكور. من أعمالها المسرحية الناجحة مع فرقة “طاكون”، رفقة زميلاتها سامية أقريو ونورا الصقلي ولطيفة أحرار وهند السعديدي وممثلات وممثلين آخرين، نشير إلى العناوين التالية على سبيل المثال لا الحصر: “بنات لالة منانة”، “مرسول الحب”، “حراز عويشة”…

إن المكانة المرموقة التي أصبحت تتبوؤها هذه الممثلة الأمازيغية الجذور في سلم التشخيص ببلادنا جاءت نتيجة مثابرة وعمل دؤوب ومستمر وانتقاء عقلاني وصارم للأدوار التي تضيف الجديد إلى فيلموغرافيتها وريبرتوارها المسرحي ورصيدها التلفزيوني. ولعل صراحتها وجديتها ومناقشتها للأدوار المعروضة عليها وعدم التفريط في حقوقها المادية والمعنوية ورفضها للأدوار المتشابهة هي الأمور التي رفعتها إلى مصاف كبار الممثلات والممثلين رغم قلة أعمالها في السينما وتفرغها شبه الكلي للدراما التلفزيونية في السنوات الأخيرة. فرب قائل: العبرة ليست بالكم وإنما بالكيف، فكم من دور خلد صاحبه في تاريخ التشخيص السينمائي بغض النظر عن حجمه ومدته الزمانية؟ والسعدية لاديب كانت دائما متألقة في جل أدوارها، ولهذا من حقها علينا أن نكرمها من حين لآخر وهي في أوج عطائها وأن نحتفي بتجربتها الفنية الثرية وذلك لأن هذا التكريم وهذا الإحتفاء لن يزيداها إلا تألقا وتقديرا للمسؤولية الفنية الملقاة على عاتقها . فمزيدا من العطاء والتألق ومزيدا من الإحتفاء برموزنا الفنية الصادقة والمتمكنة.

أحمد سيجلماسي

Exit mobile version